لقد ظل الحقل التربوي في الجزائر ولفترة طويلة خاضعا لنمط التدريس بالأهداف، تلك الطريقة التي تركز بشكل أساسي على الكم والتراكم المعرفي. وقد تبدل اتجاه وهدف المعرفة وتحولت لغة الإنسان من لغة التباهي بالخطب والشعر إلى لغة تجارة وعلوم وتكنولوجيا وتصورات الآفاق... والألفـية الثالثة بداية لمنافسة كونية حادة ،تعتبر الطاقة الإنسانية ،المصدر الرئيسي لربح الرهانات هذه المنافسة جعلت الاهتمام منصبا أساسا على المنظومة التعليمية وإعداد الموارد البشرية وهذا يعني إجبارية إحداث تجديد في نوع محتوى وهدف المناهج والدروس وهذا ما لم يحدث في مدارسنا..
فمع عمليات الإصلاح التربوي الجديدة دخل إلى الحقل الثقافي والتربوي بصورة مفاجئة مصطلح "المقاربة بالكفاءات" مما جعل المكلفين بتطبيقه في حيرة من أمرهم وظل مسار الإصلاح يراوح مكانه.
وكنا قد بيناه من خلال ومضات سابقة،إن التعلم لا يعني جمع المعلومات ورصفها في ذاكرة المتعلم بل هو الانطلاق من البنيات المعرفية التي بحوزته والقدرة على تحويلها كلما تطلب الأمر، ثم إنّ الناشئ يتعلّم حينما يكون أمام وضعية أين يمكنه تطبيق خبراته وتحويلها حسب الرد الذي يتلقّاه على عمله وفق المتطلبات، فالمعرفة لا تتجسد عبر تراكمها وتخزينها على مستوى ذهن المتعلم إنما عبر المهام التي تستنفر الموارد التي تتوقّف فعاليتها على مدى صلاحيتها ووظيفتها في تجاوز العوائق.
وهوما يستدعي تشجيع التعلم الذاتي وفق إمكانيات المتعلم ومستواه من ناحية وبناء الأنشطة على التجربة المعرفية والمهارات التي يملكها من ناحية أخرى ليحقق التعلم المرغوب.
وما يجدر التذكير به هنا هو إن بيداغوجية المقاربة بالكفاءات ليست جديدة ،بل هو أسلوب تعليمي ظهر في أوربا خلال القرن الخامس عشر وطبقته الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير تكوين جيوشها ثم انتقل بصفة فعلية إلى مؤسساتها التعليمية بدءا من سنة 1960م الى غاية 1980م، وبعدها بلجيكا عام 1993م ثم تونس عام1999م...
ومن سمات هذه البيداغوجية أنها تمكن المتعلم من التعلّم وتنمية قدراته ذات الصلة بالتفكير الخلاق والذكي بنفسه، وتجعل منه مركز النشاط في العملية التعليمية/التعلمية إذ تنقله من دائرة التعليم الى دائرة التعلم الموجه، فيكتسب المهارات والقدرات وما المعلم فيها سوى مشرفا ومقوما لسلوك المتعلم،(الكفاءة اجرائية تستمد من الفعل والعمل وتسعى تحو غاية وهدف) لذا فهي حسب فهمنا امتداد طبيعي للمقاربة بالأهداف. و للتوضيح أكثر نقول أن المقاربة بالكفاءات تعتمد على مفهوم الكفاءة التي تشتمل بدورها على مجموعة قدرات( معارف+ سلوكيات +مواقف مستقبلية)
Capacité = (Aptitudes +Attitudes+ Savoir)
والمقاربة بالأهداف: أسلوب يعتمد على مفهوم الهدف كأداء قابل للقياس عندما يصاغ بطريقة إجرائية أي بفعل سلوكي قابل للمعاينة، ( أهداف خاصة+ أهداف إجرائية) قابلة للتنفيذ. و في نظر دوكتيل و رويجرس(Deketele et Roegiers ) أن جل القدرات التي تطورها المدرسة هي قدرات معرفية*1والفرق بين المقاربتين كما نرى يكمن في المكان إذ أن المقاربة بالأهداف تضع نجاح المتعلم داخل إطار محدود " المدرسة أو المؤسسة المكونة ومحتوى ذاكرة المتعلم" في حين أن المقاربة بالكفاءة ترى أن تحقيق الهدف خارج المؤسسة امتدادا للتكوين داخل المؤسسة، حيث يكون المتعلم قادرا على توظيف مدخرات معارفه وخبراته ومهاراته معتمدا على نفسه حيثما حل وكيفما كان وضعه.
إن مصطلح الكفاءة الذي يقابله في اللغة الأجنبية La Compétence، يقصد به مجموع المعارف، والقدرات والمهارات المدمجة، ذات وضعية دالة، تسمح بإنجاز مهمة أو مجموعة مهام معقدة
و خصائص المقاربة بالكفاءات هي:
- النظرة إلى الحياة من منظور عملي - التخفيف من محتويات المواد الدراسية - ربط التعليم بالواقع والحياة - الاعتماد على مبدأ التعليم والتكوين- السعي إلى تحويل المعرفة النظرية إلى معرفة نفعية عملية.وهو ما يجعل العلاقة بين المداخيل البيداغوجية المختلفة علاقة تكامل وترابط حسب اعتقادنا.
و مستويات الكفاءة:
أ-في المقاربة السابقة (التعليم بالأهداف) :الغاية،المرمى، (الأهداف العامة، الأهداف الخاصة، الأهداف الإجرائية)
ب –و.في المقاربة الجديدة (التعليم بالكفاءات): الغاية، المرمى، (الكفاءة الختامية "كفاءة نهائية" ، الهدف الختامي المندمج، الكفاءة القاعدية، الهدف التعلمي.)
ومن اجل إبراز جوانب الاختلاف بين المقاربتين على صعيد الكفاءتين السابقتين،نضع الجدول أدناه:
I- بيداغوجية المقاربة بالأهداف:
1- منطلق التعليم والتعلم.
2-مبدأ الاكتساب والأداءات البسيطة.
3الاعتماد على كل الوضعيات البعيدة.
4-الاهتمام بالنتيجة.
5الاهتمام بالفعل الفردي أولا ثم الفعل الجماعي ثانيا.
6-ربط آلي تراكمي.
7-أولوية الجزء.
8-الخطأ عيب يترتب عنه الجزاء.
9-غياب الربط وإن وجد فشكلي.
10-الانطلاق من الغير.
11- الاهتمام بالمعرفة.
12-اعتماد المعيار كمرجع.
13-استراتيجية عامة تهم الجميع.
14-نتعلم لنعرف وننجز.
II -بيداغوجية المقاربة بالكفاءات:
1-منطلق التعليم والتكوين
2- من أجل المشكلات
3-الاعتماد على وضعيات ذات دلالة.
4-أهمية المسار تسبق أهمية النتيجة.
5-الاهتمام بالعمل الفرق والجماعي في ذات الوقت معا.
6-الإدماج الفعلي الأفقي والعمودي المتواصل.
7-النظرة الشمولية والكلية
8-الخطا مؤشر لتعديل المسار والتعلمات.
9ربط الحياة بالواقع
10-الانطلاق من الذات.
11- الاهتمام بالمعرفة الفعلية.
12-الاعتماد المحك كمرجع.
13-استراتيجية الخاص بكل فرد.
14-مبدأ نتعلم لنتصرف. .
الإشكال الثاني:
كيف سقطت البيداغوجية الفارقية عن الممارسة اليومية ؟
ولأجل تحقيق الممارسة التربوية الناجعة تضمنت المقاربة التربوية الجديدة نقطة أساسية كثيرا ما سقطت عن الممارسة اليومية في مدارسنا للأسباب السالفة الذكر مع الأسف الشديد، وهي "البيداغوجيا الفارقية" التي تعني تربويا تكييف الوضعيات التربوية المختلفة مع الإمكانيات المتفاوتة للتلاميذ. و تبدأ مع نقطة الخصائص الفردية "الكفاءات" التي يتطلب الأمر رصدها لتمكين كل تلميذ على حدة من مزاولة "كفاءاته" وتطويرها بغض النظر عن المستوى العام مع باقي المواد.
أهداف معلن عنها في صيغة كفاءات:
أهداف معلن عنها في صيغة كفاءات يراد تحقيقها لدى التلميذ في مستوى معين ومن ضبطها يتخذ معيار التقويم كفاءات عرضية تهم كل المواد و هي التي تساهم في تكوين الشخصية للتلميذ، و كفاءات خاصة بالمواد وتختلف هذه الكفاءات من مستوى إلى آخر ومن مادة إلى أخرى حسب التخصص) وقدرات المعلم و المتعلم. و حسب أنواع المعرفة في محتوى التدريس التي هي:
ـ المعرفة الافتراضية التقريرية
هي معرفة ذات طبيعة إعلامية، تتضمن المفاهيم والمصطلحات الفنية المتفق عليها، وما تتضمنه المادة الدراسية من مبادئ وتعميمات، ونظريات وأبنية، وتصنيفات وفئات، واتجاهات وميول وأعراف ومعايير وحقائق محددة.
-أو المعرفة الإجرائية:
وتتعلق بالمعارف والمعلومات ذات الطبيعة العملية، وما يؤديه المتعلم من أعمال وأفعال وأداءات مختلفة بعد مروره بخبرات وأنشطة تعلميه، وتحدد الأعمال والأفعال بدقة حتى يتسنى للمتعلم إنجاز المهمة التي تم تحديدها خطوة خطوة،
ويمكن تحديد هذه المعرفة بالإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بـ كيف؟ وما الأداءات التي يقوم بها المتعلم لتحقيق هدف؟ .
-أو المعرفة الشرطية وهي نادرة:
هي المعرفة التي يتم فيها تقرير الاستراتيجية المحددة التي ستنجح في تحقيق الهدف دون غيرها، وتحديد متى ما ينبغي استخدام الاستراتيجية المحددة في موقف تعلمي، وفق ظروف أو شروط تعليمية محددة. وتتضمن المعرفة الشرطية الإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بـ ( لماذا ؟ ) ، ( وكيف يمكن أن ؟ ) وكذا إيجاد العلاقة بين المهارة أو المعرفة المهرية والاستراتيجية، وبين متطلبات الأداء في العملية أو الموقف.